فجميل أن ترى ذلك الشاب وقد بدت عليه أمارات الخير والصلاح ، والعز والفلاح ، أطلق لحيته ، ورفع ثوبه فوق كعبه ، وتمسك بسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم فيما يرى الناس ، فعُرف بينهم بجميل أدبه ، وحُسن سمتِه ...اختار من الجلساء أحسنَهم ، وغشى مجالس أفضلِهم ...إلخ ،ولكن الأجمل من هذا كله أن يكون باطنه أجمل من ظاهره ، وخلواته أصدق مع الله تعالى من علانيته ....أخي / اختي : إياك إياك أن يكون الله تعالى أهون الناظرين إليك ،تخالف أوامره ، وتستجيب للشيطان وداعيه ، يقول سحنون رحمه الله: " إياك أن تكون عدوا لإبليس في العلانية صديقا له في السر"... إن هذه الذنوب التي تكون في الخلوات من أعظم المهلكات ، ومحرقةٌ للحسنات ، جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلهاالله عز وجل هباءً منثوراً، " قال ثوبان : يا رسول الله صِفهم لنا ،جَلِّهم لنا أنلا نكون منهم ونحن لا نعلم ، قال :" أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها !! "، أترضى لنفسك يارعاك الله أن تكون واحداً من هؤلاء المحرومين الذين كان حظهم من أعمالهم التعب والمشقة ، والآخرون في فضائل الله يتقلبون ، ومن عظيم ما أعده ينهلون ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ،وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور )
إذا أغلقت دونك الباب وأسدلت على نافذتك الستار وغابت عنك أعين البشر، فتذكر مَنْ لا تخفى عليه خافية ، تذكر من يرى ويسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، جل شأنه وتقدس سلطانه ،قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ) قال: الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة، فيريهم أنه يغض بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها،فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره، وقد اطلع الله عز وجل من قلبه أنه يود لو نظر إلى عورتها!!
أخشى بارك الله فيك أن تَزِلَّ بك القدم بعد ثبوتها ، وأن تنحرف عن الطريق بعد أن ذقت حلاوته ، واشرأب قلبك بلذته ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى"أجمع العارفون بالله بأن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاءهي أعظم أسباب الثبات"،فهل يفرط موفق بصيد اقتنصه ، وكنز نادر حَصَّله ؟
قال سليمان بن داود: '' أوتينا مما أوتي الناس، ومما لم يؤتوا، وعلِّمنا مما علِّمالناس ومما لم يعلموا؛ فلم نجد شيئاً أفضل من تقوى الله في السروالعلانية...''
اخي احذر سلمك الله ، قد تكون تلك الهفوات المخفية سبباً لتعلق القلب بها حتى لا يقوى على مفارقتها فيختم له بها فيندم ولات ساعة مندم فالذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل..
يقول ابن رجب الحنبلي عليه رحمة الله : "خاتمةالسوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس"
و يقول ابن القيّم: '' ومنها أنّها (أي المعاصي ) تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه... فيخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار ... فربما تعذر عليه النطق بالشهادة''.
ثمّ تيقّن أنّ:'' الصبرعن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة؛ فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبةً،وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة،وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه، وإماأن تضع قدراً وجاهاً قيامُه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ و أطيب منقضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلبهماً، وغماً، وحزناً، وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدواً، أو تحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمةمقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول؛ فإن الأعمال تورث الصفات،والأخلاق.''الفوائد لابن القيّم.
واعلم أنّ للعبد ستر بينه وبين الله، وستربينه وبين الناس؛ فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبينالناس وأنّ مَنْ عَظُم وقار الله في قلبه أن يعصيه - وقَّره الله في قلوب الخلق أن يذلوه,
فالله الله بإصلاح الخلوات ، والصدق مع رب البريات ، لنجد بذلكاللذة في المناجاة ، والإجابة للدعوات .
إذا ماخلوت بريبة في ظلمة ...... والنفس داعية إلى االعصيان
فاخش من نظر الإله وقل لها ...... إن الذي خلق الظلام يراني
اللهم أرزقنا خشيتك في السر والعلانية وحل بيننا وبين معصيتك وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح اجعل بواطننا خير من ظواهرنا وأصلح ظواهرنا ..
اللهم آمين..
منقول